احتضنت قاعة الندوات بتكنوبارك – طنجة، يوم الثلاثاء 3 يونيو 2025، ندوة علمية تحت
عنوان “الإعاقة بالمغرب: عنف التمثلات وممكنات التغيير”، نظمها المعهد الوطني للعمل
الاجتماعي بطنجة بشراكة مع جمعية الشروق لدعم مركز التربية والتكوين للمكفوفين
وضعاف البصر، في إطار الحملة الوطنية الأولى لإذكاء الوعي حول الإعاقة.
الندوة التي أشرف على تنسيقها وتسيير أشغالها الأستاذ الدكتور يوسف مزوز، شهدت
حضور ثلة من الباحثين والمهنيين والفاعلين المدنيين، إلى جانب طلبة وأطر المعهد، وفتحت
نقاشًا علميًا وإنسانيًا حول الكيفية التي تؤثر بها الصور النمطية على الإدماج الاجتماعي
والحقوقي للأشخاص في وضعية إعاقة.
وقد تميز افتتاح اللقاء بوصلة موسيقية مؤثرة قدمتها فرقة مكونة من أشخاص في وضعية
إعاقة، في رسالة رمزية قوية تعكس الإمكانيات الفنية والإبداعية لهذه الفئة، وتعزز مبدأ
الإدماج من خلال الفعل الثقافي.
خلال الجلسة العلمية، قدم الدكتور رشيد الكنوني، الباحث في علم النفس الاجتماعي ومدير
سابق للنهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة بوزارة التضامن، مداخلة اعتُبرت من
أبرز محطات اللقاء. أكد فيها أن التمثلات الاجتماعية تشكل جوهر العنف الرمزي الممارس
تجاه الأشخاص في وضعية إعاقة، وأنها لا تُعبّر فقط عن مواقف فردية، بل هي أنساق فكرية
وثقافية مترسخة منذ الطفولة. وأبرز أن هذه التمثلات كانت، في العديد من الحالات، سببًا
مباشرًا في فشل أو عرقلة السياسات العمومية الموجهة لهذه الفئة، داعيًا إلى مراجعة الوعي
الجمعي بشكل مواكب لأي إصلاح مؤسساتي أو قانوني. كما أشار إلى أن الفتاة في وضعية
إعاقة تعيش “إعاقة مضاعفة”، تجعلها أكثر عرضة للعنف داخل الفضاء الأسري، وحثّ في
ختام مداخلته على إنجاز دراسات وأبحاث ميدانية معمقة حول التمثلات السائدة والعنف غير
المرئي الذي تولّده.
بدوره، قدّم الأستاذ محمد البقالي، مستشار في التنمية الدامجة، عرضًا تأريخيًا لمقاربات
الإعاقة عبر العصور، مبرزًا التحولات التي عرفها التصور العام من المقاربة الطبية
والخيرية إلى المقاربة الحقوقية. وشدد على ضرورة تجاوز منطق الشفقة نحو الاعتراف
بالمواطنة الكاملة للأشخاص في وضعية إعاقة.
أما الأستاذة أسماء منتصر، أستاذة علم النفس التربوي بالمعهد، فقد تناولت في مداخلتها
موضوع صعوبات التعلم وتحديات الإدماج المدرسي، مشيرة إلى غياب التشخيص المبكر
وضعف تأهيل الأطر التربوية، وداعية إلى إدراج مقاربات دامجة ضمن السياسات التعليمية.
واختُتمت الجلسة العلمية بمداخلة للأستاذ عماد بلغالي، أستاذ القانون بالمعهد، تطرق فيها إلى
الضمانات القانونية لحماية حق الأشخاص في وضعية إعاقة في الشغل، مؤكدًا على ضرورة
تفعيل المقتضيات القانونية المتعلقة بالكوطا وتحفيز المقاولات على إدماج هذه الفئة في سوق
العمل، مع توفير بيئة عمل دامجة ومحترمة للكرامة.
وقد عرفت الندوة تقديم شهادات ومرافعات ذاتية لأشخاص في وضعية إعاقة، عبّروا من
خلالها عن واقعهم اليومي وتحديات الإدماج، واختُتمت فعالياتها بعرض فيلم تحسيسي قصير
جسّد نموذجًا فعليًا للإدماج الناجح، ونال تفاعلًا إيجابيًا من الحضور.
في ختام الندوة، خلص المشاركون إلى جملة من التوصيات، أبرزها:
– إدراج التمثلات الاجتماعية في صلب الدراسات والسياسات العمومية.
– تعزيز التربية الدامجة في المدرسة المغربية.
– تفعيل القوانين المرتبطة بالتشغيل وتوفير ضمانات عملية للإدماج المهني.
– دعم البحث العلمي حول الإعاقة من زوايا نفسية وسوسيولوجية وقانونية.
وأكد المتدخلون على أن التحدي الأكبر لا يتمثل فقط في الإصلاح القانوني أو توفير
الولوجيات، بل في إحداث تحول عميق في نظرة المجتمع إلى الإعاقة باعتبارها اختلافًا
إنسانيًا مشروعًا، وليس نقصًا أو عبئًا.